16/05/2024

خليجي البصرة .. عودة الروح

هادي عبد الله

17/01/2023
تكبير الخط
تصغير الخط



 الاعلام في خليجي البصرة ، التقليدي منه والالكتروني ، لم يركز كثيرا على  إبراز المستوى الفني للمنتخبات المشاركة إلا في حدود اهتمام المتخصص منه جدا جدا في الشأن الكروي . أما الاهتمام العام فانصب على ما حول المستطيل الأخضر وما هو أبعد بكثير حتى عن ملاعب البطولة ، وهذه من ميزات خليجي البصرة وفوارقها التي لم يألفها منظموها في الدورات السابقة .
فالاعلام الذي صارت خليجي البصرة مادته المبرزة ، ليس الاعلام الرياضي فقط وانما الاعلام السياسي والفني وكل حقول الاعلام ، لاسيما الاعلام الجوال فكل القنوات اليوتيوبرية العربية وحتى بعض غير العربية جعلت من مجريات البطولة مادتها الأبرز ، وذلك لجذبها للجمهور ولحصدها العدد الأكبر من المشاهدات والتعليقات ، مما يعني كثرة النقاط الجاذبة في هذه البطولة وازدحامها بالمفردات التي تمتلك مقومات تقديم محتوى مميز .
ومن هذه النقاط الجاذبة المتجددة كل ساعة ، ان اهل المدينة ، أي البصرة ، هم السبب الأول في نجاح البطولة ، وليس ما اعتاد عليه المنظمون  في الدورات السابقة من بطولة الخليج او حتى من بطولات أخرى عالمية او قارية او إقليمية ، لاشك ان العفوية لا تخلق  نجاحا وانما تسبب فوضى ، فكيف غدت  البصرة المدينة ، أي البيئة الاجتماعية هي عامل النجاح الأول وهي معياره ؟
مرة أخرى ، الجواب غير عسير وغاية في البساطة ، انها هوية المدن التي تحدثنا عنها آنفا ، فهذه الهوية ولك ان تسميها ثقافة المدينة ، وهي مجموع مفردات السلوك اليومي المترسخ في النفوس والذي قد يضطرب بفعل مؤثرات خارجية قاهرة من قبيل سلطة مستبدة تقمع الحريات ، او فقر مدقع يفرض بصورة ممنهجة حتى يصير شرب الماء الصالح لشرب الآدميين  ليس سهلا ،  او نهب خيرات المدينة من قبل ثلة شاذة وطنيا تستقوي  بالأجنبي ،  وهناك عوامل أخرى تجبر اهل المدينة على تغيير – قهرا – بعض مفردات السلوك ، ولكن هذا التغيير مسألة طارئة، إذ سرعان ما تستعيد المدينة هويتها وتظهر جميل خصالها وذلك حين توضع موضع الامتحان الحضاري التاريخي وهذه هي البصرة ، وهذه هي خصالها ، وهذا هو يوم امتحان دورها الحضاري الذي لم تنل منه الازمات والكوارث  .
فالبصرة  - تاريخيا - كانت لها نقودها الخاصة ومكاييلها ومقاييسها ، وهي المركز التجاري الكبير ذي الصلات مع كل المناطق الإسلامية ومع الصين والهند وافريقيا ، هذه المدينة التي تميزت بالعناية بالألفاظ وفقه اللغة وجمع الشعر وتقييد النحو ، إذ كان ذلك من الأولويات التي تنبه لها البصريون مبكرا ، كما انها كانت مركزا لجمع دواوين الشعر الجاهلي ، ففيها كان الرواة ينشدون ما تختزنه  ذاكرتهم ، وفيها كان المربد وحلقاته وفيه ولد ما يسمى بالانتحال والابيات الموضوعة ، وفيها العجاج اكبر شعراء الرجز ، وفيها الفراهيدي وفيها الاصمعي وفيها تلميذ الفراهيدي سيبويه وفيها  الجاحظ وفيها من العلماء والادباء والشعراء ما تضيق به المجلدات.
هذه هي البصرة التي وصفها  ابن قتيبة في عيون اخباره قبل قرون بأنها “ خير بلاد الله للجائع والعزب والمفلس ، اما الجائع فيأكل خبز الأرز والصحناء ولا ينفق في الشهر درهمين -  والصحناء اكلة تتخذ من السمك الصغير المالح ( إبراهيم  السامرائي :  241 ) وتسمى بالعامية العراقية ، زوري - ، واما العزب فيتزوج بشق درهم  ، واما المحتاج فلا عيلة عليه “ .. وذلك يعني ان البصري  أيا كانت درجته الاجتماعية وموقعه الاقتصادي كان يعيش بنفقة زهيدة ( العمد : 31 ).
ويعني أيضا ان الكرم هو السمة الغالبة بل الأساس في سلوك اهل البصرة، وهكذا صار الجواب قاطعا ان النجاح الجماهيري او الشعبي لخليجي البصرة إنما مرده الى قدرة البصرة والبصريين على سرعة استرداد ما تفلَت من مفردات السلوك الأصيل  تحت وطأة القهر ، وان الهوية البصرية هي التي حققت النجاح وليس جلاديها وساريقيها ..
كل يوم تفاجئ خليجي البصرة ضيوفها والعالم بما لم تقدمه سابقاتها

المزيد من مقالات الكاتب

الأكثر قراءة