17/05/2024

خليجي البصرة .. عودة الروح

هادي عبد الله

15/01/2023
تكبير الخط
تصغير الخط



نواصل الرحلة في بيئة البصرة الاجتماعية مستعينين بخريطة ابنها العبقري الجاحظ الذي تميز بقدرته على تصوير اخلاق الناس الذين يعيشون في مجتمعه اثناء ممارستهم للحياة العادية الطبيعية مستهديا بما يلاحظ ومستخدما السخرية والنقد والتحليل والاستنتاج، رافضا الأساليب الجاهزة ( هاني العمد : 24 ) .. ان  رحلتنا  وان استقلت قارب الادب والتاريخ والاجتماع فهي انما تمخر عباب خليجي البصرة في دورتها الخامسة والعشرين لتظهر ما لم تستطع الدورات السابقة إظهاره، فالبطولة  هي مباريات كرة قدم وفيها فائز وفيها خاسر،  وهذا ربما هو أسمى أهداف الدورات السابقة بل ربما كان من اهداف بعض الدورات السابقة ما ينطوي على نيات شر يصيب شررها أبناء الامة .
أما الهدف الأعلى والذي كان صعب المنال حتى دقائق قبل انطلاق حفل الافتتاح فهو ، هل يمكن ان يجتمع  شباب هذه الامة اخوانا متحابين نزع الله من قلوبهم الغل ؟ ما أعظمه من هدف .. وما أصعبه من منال .. ولكن البصرة وحدها هي من تقوى على ارتقاء هذا الصعب - ولاريب ان بغداد ستكون قادرة أيضا لو وضعت في موضع الامتحان هذا -  فقبل ثلاثة عشر قرنا رد َ الجاحظ ردا صاعقا على ابن المقفع يوم قال “ ما ترك الأول للآخر “ يريد ان العرب لن يستطيعوا ان يضيفوا جديدا لليونانيين  والرومان وحتى الفرس على ضآلة قدرهم في ميزان الحضارات العالمية، فكان رد الجاحظ : “ كم ترك الأول للآخر “ .
بروح هذا الرد العبقري، وهذه النظرة المستقبلية الواثقة أسس العرب على مدى قرون حضارتهم العربية الإسلامية، ومن عمق هذا الرد كان حفل افتتاح خليجي البصرة المبهر، فبعد ان تألقت دوحة قطر  في تنظيم بطولة كأس العالم بكرة القدم افتتاحا وتنظيما وهي أكبر بطولات الدنيا في يومنا هذا خاف الكثيرون على هيبة البصرة، فمنهم محب مشفق، ومنهم منافق شامت، وتجدد قول ابن المقفع بعد ثلاثة عشر قرنا “ ما ترك الأول للآخر “ فالدهشة التي صنعتها الدوحة لم تغادر العقول والافئدة بعد، إذ لم يمض عليها شهر، وقبلها الكثير من الدهشات ذات المناشيء الغربية والشرقية !!
فأين تكون البصرة بين هؤلاء وبين أولئك، استذكرت البصرة رد ابنها، واستردته من بين سنين وايام وساعات القرون، البصرة التي تعض على الجرح كي يسكت الألم، مستحضرة أرواح شهدائها، اسمعوا صوته القادم من سماء التاريخ وليس من عمقه – فمثله لا يدفن له قول -  استمعوا وانصتوا الى الجاحظ ثم اعملوا بنصحه “ كم ترك الأول للآخر “ ..
أليس كذلك، نعم فهناك الكثير من زوايا الابداع ومن معالم الابهار لا يعرف السبيل اليها إلا من كان له امتداد تاريخي كامتداد أبناء النهرين الخالدين، ليس هناك من يعرفها مثل اهل البصرة، فجاء البصريون بما لم يأت به الأوائل فصنعوا دهشة تليق بمدينتهم، ويستحقها أشقاؤهم، وتؤسس لغد يقرب الشقيق ويبعد الغريب، هذا الغريب الذي انقلب سوء عمله عليه حسرات بعد ان منَى النفس المريضة بأمنيات جعلتها خليجي البصرة هباء منثورا ..
لقد أعادت خليجي البصرة الروح لما ظنه الناس انه قد مات، الكبرياء العربي  الذي لم تفرط به البصرة يوما عبر تاريخها الممتد قرونا وقرونا، فهي تفخر بأبنائها الذين هم من طين تربتها، لا تفرق بين قح ومولى ما دام الايمان والإخلاص هما الرائد .. وفي أيام خليجي البصرة الكثير والكثير .. وما زلنا في قارب الجاحظ

المزيد من مقالات الكاتب

الأكثر قراءة