#علي_لفتة_سعيد
لا أعتقد أن مؤتمرًا يجمع الرؤساء في العالم في بيئةٍ محدّدة أو قسمٍ محّدد أو قارةٍ أو شاطئ أو أية تسميات أخرى، لا تكون فيها فائدة، لأن الاجتماع بحدّ ذاته يعبّر عن اتّفاق مجموعة من الدول فيما بينها على عدد من القضايا المشتركة، التي تهم جميع الدول المتحالفة أو المتفقة والتي أهمها ليس فقط الوضع الاقتصادي بل هو حصيلة السلام، بمعنى لولا أنها متّفقة على السلام وأنها أي الدول المعنية متّفقة ومتعايشة لما حصل هذا الاجتماع أو المؤتمر.
وهو ما يعني حصول مردودٍ إيجابي لصالح شعوب هذه الدول، من أجل بلورة نتائج أخرى مستمرة ولها ديمومة قادمة لما يشكّل أهمية سياسية تتّضح معالمها على المستقبل.
ولكن السؤال هل ينطبق هذا الأمر على المؤتمرات العربية منذ أول قمة عربية إلى آخر قمة في مدينة جدة السعودية، التي تعقد خلال هذه أيام والتي تحمل الرقم 32؟ هل تفسّر على أنها قمم تعني تمتّع الدول المشاركة بالسلام وأنها تريد ديمومته والانتقال إلى مرحلة البناء الاقتصادي وتنمية الواقع السياسي؟ هل حصدت الشعوب العربية نتائج وتوصيات وقرارات القمم العرية السابقة، لكي تحصد نتائج القمة الحالية؟ أم العكس هو الصحيح وأن الشعوب لا تؤمن بما يتم التوصّل إليه في هذه القمم، التي أضاعت على الشعوب حتى إحلال السلام في ما بينها، قبل إحلال السلام في القضية المركزية فلسطين في زمن القمة السودانية، التي اشتهرت باللاءات الثلاث.
وإن المواطن العربي ومن خلال استطلاعات الرأي الخاصة للمثقفين يعدّونها استعراضًا للوجوه، وكلمات تقال من على منصات مزخرفة وتحت أواء ساطعة تبين هيبة الرئيس أو الملك أو الأمير، وأنها أي القمم العربية الوحيدة التي أدت اجتماعاتها إلى وقوع الحرب، بدلًا من السلام، والجميع يتذكّر ما حصل قبل حرب الخليج الأولى والثانية وما حصل في مؤتمر القمة العربية التي حصل فيها منع سوريا من تمثيلها في الجامعة العربية؟.
إن المؤتمر الأخير في جدة السعودية يعقد تحت ظرفٍ آخر لا يبحث فيها المواطن العربي على حلول فحسب، بقدر ما يبحث عن نتائج مهمة ورصينة.. وأهم الظروف التي هي الأولى في النظرة الخارجية هي عودة سوريا إلى مكانها الطبيعي، ووصول الرئيس السوري إلى السعودية، التي قرّرت هي طرد ما أطلقت (النظام السوري) ليحصل بعدها ليس فقط الحرب الأهلية في سوريا المستمرة منذ 13 عاما، بل إلى تمزيق القضية الفلسطينية ذاته، التي لم تعد الدول العربية قادرة على مواجهة العدوان الصهيوني، إلّا من خلال البيانات والاستنكارات التي ستكون هي الحصيلة الوحيدة للقمة العربية الراهنة، لأن العرب لا يمتلكون الاجماع على قضيةٍ واحدةٍ مصيريةٍ ما دامت هناك مصالح لهذه الدول مع هذه الجهة أو تلك أو تلوذ بهذه الجهة أو تلك، كونها تخاف من دولٍ أخرى أكثر من الكيان الصهيوني.
ولذا فإن هذه القمة ربما تأتي في ظرفٍ آخر لو توحدّت المصالح وهي عودة شبه العلاقات ما بين إيران والسعودية، التي تمكّنت اسرائيل وأمريكا من تحويل بوصلة الصراع من العربي الإسرائيلي إلى العربي الإيراني، بحجّة التخوف من الاتّساع الإيراني والمواجهة الطائفية، التي تخافها السلطات العربية على أساس أن الصراع المذهبي يعود بالكارثة عليها كشعوب أكثر من الصراع الديني مع الكيان الصهيوني، الذي يمكن مواجهته من خلال دعم القضية الفلسطينية بالمال وشجب الاعتداءات على المقدسات، وهو أمر لا يؤدّي إلى خسارة الدولة ذاتها في الداخل الاجتماعي والمذهبي، بمعنى إن (إسرائيل) ومنذ كامب ديفيد تمكنت من التغلغل في العمق التفكيري للعرب، بجعل الخوف ليس منها، بل من إيران المذهبية التي هي الأخرى استغلّت الصراع والقضية الفلسطينية لصالحها، لكنها لا تواجه إسرائيل بل تنفذ مخطّطاتها التي تعتقد أنها صحيحة.
إن النتائج المرجوّة من القمة العربية لن تكون مرضيةً للعرب، وإنها ستتمخّض عن عددٍ من النقاط التي تبدأ بترحيب بعودة سوريا والمطالبة بإحلال السلام بين فئاتها المتحاربة، مع دعوة تركيا للمساهمة في إحلال السلام داخل الجغرافية السويرة التي مزّفتها الحرب.. واستنكار العدوان الإسرائيلي والدعوة إلى الهدوء ووقف اطلاق النار، ودعوة الجهات المتصارعة في السودان إلى إحلال السلام ودعوة الليبييين إلى توحيد الصفوف وتشكيل حكومة وطنية، ودعوة لبنان إلى انتخاب حكومة جديدة والابتعاد عن التناحر السياسي الطائفي الديني.
ودعوة الحكومة التونسية إلى اتباع سياسية احترام الحريات وتطبيق الدستور، ولن ينسى المؤتمر العراق حيث سيقدم دعمه للحكومة العراقية في توجهاتها الأخيرة في فرض السلام وتقديم الخدمات.
وغيرها النتائج التي حفظها الشعب العربي وربما العالم بأسره.
إن العربي اليوم لا يريد لهذه الاجتماعات أن تتبلور عن تصريحات بل إلى نتائج وحلول، وإلّا فإن العرب حفظوا المقدّمات مثلما حفظوا الأناشيد الوطنية منذ نكسة حزيران حتى الآن.