28/04/2024

بغداد متخمة بالمتسولات السوريات واللبنانيات.. نداء جديد لمغازلة جيوب الصائمين: لله يا سذج

تقارير

11:00 - 2024-03-13
تكبير الخط
تصغير الخط

آن نيوز- بغداد
“أهل الغيرة والكرم.. أنا أختكم سورية، أو لبنانية”، جملة باتت تتردد في شوارع وتقاطع العاصمة بغداد، وبعض المحافظات الأخرى، وتتزايد بشكل واضح مع حلول شهر رمضان، حيث يشهد زخما عاطفيا كبيرا بين العراقيين، خصوصا عندما تكون المتسولات من بلدان عربية تعاني من أزمات كسوريا أو لبنان، كما أن بعضهن عراقيات يتحدثن بلهجتهن، يمتهن التسول، ويحاولن عبر هذه الكلمات استدرار عواطف العراقيين رجالا ونساء للحصول على مبلغ من المال.

وعلى الرغم من الأوضاع المأساوية التي يمر بها الشعب السوري، والتي دفعت الكثير منهم إلى اللجوء للعراق وبلدان أخرى، إلا أن الأمر أخذ منحى آخر، حيث تحولت بعض النساء إلى التسول، بدلا من العمل، الأمر الذي جعلهن عرضة للوقوع ضحية لعصابات تمارس أنشطة غير مرخصة، قد تكون ذات صبغة إجرامية كالدعارة والسرقة والمتاجرة بالأعضاء البشرية.

وبعد الأحداث التي شهدتها سوريا في العام 2011، اضطرت الآلاف من العوائل السورية إلى النزوح نحو العراق، بالتزامن مع أزمة احتجاجات كانت تعاني منها البلاد، تسببت باضطرابات أمنية وسياسية في حينها، أعقبها اجتياح تنظيم داعش لعدد من المحافظات، ما أدى إلى أزمة اقتصادية خانقة، حيث تزايدت معدلات البطالة بين العراقيين، ما دفع النازحين السوريين الذين لم يجدوا فرصا للعمل إلى التسول والذي يحقق عائدات مالية يومية ليست بالقليلة، ليتحول الأمر إلى مهنة بديلة.


تقف أم ليلى السورية (60 عاما)، في أحد التقاطعات الرئيسة بالعاصمة بغداد، ممسكة بمناديل ورقية لبيعها على أصحاب السيارات المارة، وهو غطاء يتخذه الكثير من المتسولين في العراق، لاستدرار عواطف الناس، والحصول على أموال.

وتقر أم ليلى، بممارسة التسول قائلة “لن أستبدل التسول بأي مهنة أخرى كالخدمة في البيوت أو العمل كمنظفة في مراكز التجميل والعيادات، لأن عمري لا يسمح بالعمل الشاق، ووقوفي هنا يعود علي بربح أوفر لتغطية مصاريفنا”.

وحول المضايقات والتحديات التي واجهتها، تجيب بالقول “كوني كبيرة في السن يجعلني مطمئنة، فأنا لا أثير طمع الشباب، لكن في الوقت نفسه أرفض بشدة امتهان بناتي لهذا العمل، خشية من مخاطر الشارع والتحرش والحوادث وغير ذلك”، نافية انضمامها لـ”أي مجاميع أو عصابات تسول أخرى”.

وتشير بالقول “ليست هناك عوائق قانونية على التسول فأقسى عقوبة يمكن نيلها هي التوقيف لمدة أربعة أيام مع مصادرة أموال التسول ثم إطلاق السراح دون أي تعهد قانوني”، مشيرة في ذات الوقت إلى أن “ما جاء بنا إلى العراق هو تسامح العراقيين وتعاطفهم معنا، كما أنهم كرماء وأسخياء، وفي شهر رمضان كما اعتدت منذ سنوات يزداد التعاطف، وهناك الكثير ممن يخصصون زكاة فطرة رمضان لنا”.

ويفضل الكثير من العراقيين تقديم الصدقات والمساعدات الإنسانية خلال شهر رمضان، وهناك حملات شعبية لتجهيز ما يسمى بالسلات الغذائية، وموائد رمضان، خلال هذا الشهر في العديد من المحافظات.

وبشأن محل سكناها وتدبير أمورها المنزلية، تشير بالقول: “أنا أسكن في منطقة شعبية بجانب الكرخ من بغداد في بيت مستأجر بمبلغ 250 ألف دينار شهريا، مع زوجي وبناتي الثلاث، ولم أجد عملا أو مصدر رزق لعائلتي غير هذه المهنة”.



وتختم حديثها “متى ما تحسن الوضع الأمني في سوريا سأعود لبلدي مع عائلتي فمدة إقامتنا في العراق هي أربع سنوات وقد شارفت على الانتهاء”.

وإلى جانب السوريات، انتشرت مؤخرا متسولات من لبنان الذي يشهد هو الآخر أزمة اقتصادية، منذ خريف العام 2019، حيث أغلقت المصارف أبوابها وامتنعت عن تلبية طلبات زبائنها، ما دفع الكثير من اللبنانيين إلى الهجرة خارج بلادهم، بحثا عن فرص عمل، فضلا عن التهديدات الأمنية التي ظهرت بعد حرب غزة وتنفيذ الجيش الإسرائيلي العديد من الضربات الجوية والصاروخية في جنوب لبنان والعاصمة بيروت، ما ضاعف من الاندفاع نحو الهجرة.

وتبين المتسولة اللبنانية مريم أحمد (15 عاما)، خلال حديث، أنها عزباء تعيش مع عائلتها المكونة من أب وأم مريضة وأخت صغرى، وتؤكد “ليس لدي تحصيل دراسي سوى أنني أقرأ وأكتب، وحاليا نسكن في منطقة الرحمانية بالكرخ في بغداد ببيت مستأجر بمبلغ 350 ألف دينار شهريا، لذلك اضطررت إلى امتهان التسول”.

وتتفق مريم اللبنانية مع أم ليلى السورية، على أن “المردود المالي من التسول جيد في العراق”، معولة على “تعاطف وكرم العراقيين، الكبير، خصوصا مع النساء فهم شعب طيب”، ولكنها لا تخفي أيضا مخاوفها الشديدة من هذه الممارسة المحفوفة بالمخاطر، حيث تقول “أنا أتعرض للابتزاز والتحرش، وكذلك تم اعتقالي سابقا من قبل الشرطة العراقية، وتم توقيفي لمدة يوم واحد، حيث صودرت أموالي التي كسبتها في ذلك اليوم”.

وتتابع أحمد، التي تتسول هي الأخرى في منطقة باب المعظم، وتحديدا في شارع المكتبات: “أنا لا أكذب على أحد لاستعطافه كالتظاهر بالمرض أو الإعاقة، كذلك لا أفضل أسلوب إثارة شفقة المتصدقين عن طريق البكاء أو الدعاء لهم”، لافتة بالقول: “في شهر رمضان لا أحتاج لأي وسيلة لكونهم يغدقون علينا الصدقات بمعدل أكثر”.

وحول عدم مزاولتها عملا غير التسول، تشير قائلة “كنت أعمل خادمة في أحد البيوت سابقا، إلا أن صاحبة البيت، استغنت عن خدماتي لأنني لا أقوى على إنجاز أعمال المنزل بسبب صغر سني”، منبهة بالقول “لست براغبة بالاستمرار في التسول، فأنا لم أختر هذه المهنة بإرادتي، وأتمنى التخلص من هذه المهنة، فأنا أحلم بالعودة إلى لبنان وإكمال دراستي”.

يشار إلى أن الأجهزة الأمنية تشن بين وقت وآخر حملات لمكافحة التسول، ويتم اعتقال عشرات المتسولين من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار وإيداعهم التوقيف، إلا أن هذه الإجراءات لم تسهم بالقضاء على ظاهرة التسول سواء من المتسولين العراقيين أو العرب أو الجنسيات الأخرى.



بدوره يفصل الخبير القانوني عدنان الشريفي، خلال حديث، أن “المادة 390 من قانون العقوبات العراقي تنص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ثلاثة أشهر كل شخص أتم الثامنة عشر من عمره وكان له مورد مشروع يعيش منه أو كان يستطيع بعمله الحصول على هذا المورد، يعمل متسولا في الطريق العام أو في المحلات العامة أو دخل دون إذن منزلا أو محلا ملحقا به لغرض التسول، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة إذا تصنع المتسول الإصابة بجروح أو عاهة أو استعمل أية وسيلة أخرى من وسائل الخداع لكسب إحسان الجمهور أو كشف عن جرح أو عاهة أو الح في الاستجداء”.

ويشدد على أنه “يحق للسلطات المختصة تسفير هؤلاء المتسولين إذا كانوا غير عراقيين لمخالفتهم أحكام قانون إقامة الأجانب رقم 76 لسنة 2017، وهؤلاء الوافدات اللاتي يمارسن التسول يمكن وببساطة استغلالهن من قبل عصابات الإتجار بالبشر سواء للتسول أو الدعارة أو تجارة الممنوعات أو غير ذلك”.

يذكر أن تسول النساء العربيات في العراق يشجع بعض فئات المجتمع على امتهان التسول والذي يتم استغلالها من خلال عصابات الجريمة المنظمة للحصول على عائدات مالية من هذه المهنة، وكذلك الترويج للدعارة والمخدرات من خلال المتسولين.

إلى تقاطع رئيس وسط بغداد، تتحرك فتاة عشرينية بين السيارات، متحدثة بلهجة شامية، حول حاجتها للطعام والشراب وإعالة أشقائها الصغار، وحين حاولنا معرفة جنسيتها، أجابت بأنها “سورية”، رافضة التعاطي أكثر بالحديث حول سكنها أو واقعها الاجتماعي، لكن وبعد متابعة حثيثة من المراسل وبشهادة شهود عيان، ظهر أنها عراقية ولكنها تدعي بأنها سورية لكسب التعاطف.

وحين واجهناها في يوم آخر، بسؤال حول حقيقة جنسيتها، لم تجب، وقطعت الشارع المكتظ بالسيارات، وغادرت التقاطع.

وتقول استاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد سحر كاظم، خلال حديث ، إنه “يمكن استغلال المتسولات سواء من العراقيات أو السوريات أو اللبنانيات وغيرهن من قبل العصابات أو في مجال الدعارة، والكثير منهن انضممن لعصابات التسول والسرقة بحجه الوضع المادي السيء”.

وتضيف “وجودهن في الشارع يشكل خطرا على الأمن العام، إذ يمكن استغلالهن أيضا من قبل الجماعات المسلحة المنفلتة أو حتى الجماعات الإرهابية التي تستغل حاجه المتسولات في سبيل تنفيذ أعمال إرهابية وإجرامية مثل مراقبة المنازل والمحال التجاريه لعصابات السرقة قبل تنفيذ عمليات سطو عليها”.



غير أن كاظم، تنفي أن يكون لوجودهن “تأثير كبير على الطبقات الفقيرة من مجتمعنا العراقي لدفعها نحو التسول، لكنه بالتأكيد يخلق مشاحنات بين المتسولات العربيات ونظيراتهن العراقيات، كون الطرف الأخير يعتبر وجود المتسولين الأجانب نوعا من المنافسة في المهنة”.

وتنوه الباحثة الاجتماعية، إلى تطور الأمر “لقيام عصابات الجريمة المنظمة، وشبكات التسول باتت تلجأ إلى حيلة قانونية، وهي تزويج المتسولات السوريات واللبنانيات من عراقيين لضمان بقائهن في العراق، حيث أن مدة الإقامة القانونية محددة ثلاث أو أربع سنوات”.

إلى ذلك، يعلق المتحدث باسم وزارة الداخلية، العميد مقداد الموسوي، خلال حديث، إن “هناك متابعة دقيقة للأجهزة الأمنية للوافدين العرب والأجانب، ممن لا يملكون أي إقامة، ويعملون بشكل غير رسمي في العراق، أو من الذين يزاولون التسول”.

ويضيف الموسوي، أن “الأجهزة الأمنية تلاحق هؤلاء وتعمل على ترحيل العديد منهم إلى بلدانهم بشكل شبه يومي، وعمليات متابعة الأشخاص والشبكات المسؤولة عن المتسولين مستمرة، وهناك عقوبات مختلفة بحق كل من يمارس هذا العمل غير القانوني سواء من قبل العراقيين أو الأجانب”.

ويؤكد على أن “وزارة الداخلية مهتمة جدا بالحملة الخاصة بالقضاء على التسول، خاصة وأن هناك شبكات تستغل المتسولين بالكثير من الأعمال غير القانونية وغير الأخلاقية، خاصة عمليات التجارة بالأعضاء البشرية وغيرها، ولذا نحن عازمون على إنهاء هذه الظاهرة من خلال فرض القانون”.

أخبار ذات صلة

الأكثر قراءة