16/05/2024

المتجاوزون {الحواسم}.. أداة للحكم وهدف للإفقار

عماد البدران

17/01/2023
تكبير الخط
تصغير الخط



كنت في معية أحدهم أيام معركة الانتخابات ودعايتها نجوب الشوارع في جولة استطلاعية فضولية، لمعرفة أذواق الناس وميولهم ورغباتهم، واذا بتجمع من عامة الناس البسطاء احتشدوا عند أحد جادة شارع ترابي اتصل بالشارع العام من جهة مجموعة منازل تجاوز، وقد خاضوا حوارات تداولوا فيها سؤالا واضحاً: هل يحقق لنا هذا المرشح مبتغانا ويملك منازلنا أو كسابقه يضحك علينا؟ لأخوض معهم حواراً:
إنَّ منازلكم عشوائية وبُنيت بمكان ليس مخصصاً للسكن، فخارطته الاساس مشاريع خدمية، لينطلق أحدهم بلسان سليط مهاجماً، نعم فأنت تسكن منزلاً فرهاً ونحن نعاني الامرّين فقراً وضياعاً، فنحن من دون سكن، ليتداخل معه صديقي، كان من المفروض أن تجد لكم الحكومة سكناً لائقاً، فعلى اقل تقدير يوزعون عليكم قطع أراضٍ.
ثم تركنا التجمع ودار حوار بيننا تمحور حول: إنه في كل انتخابات يمر المرشحون على المتجاوزين ويعدونهم ويمنونهم بالأرض السعيدة وجنان الخلد العظيمة، وما أن ينتخبوهم ينسون وعودهم، لا بل أن نهجهم، هذا أضعف الدولة وشوّه معالم المدن، فلا حلول تذكر للمتجاوزين، الذين تزايدت اعدادهم وأُتخمت المدن بتجاوزاتهم؛ لان مشكلاتهم يجب أن تبقى، فهم مجرد ورقة انتخابية يحتاجها المرشحون، ومشروع للوصول إلى البرلمان.
ليس هذا فحسب بل اداة تختبئ خلف واجهاتها كل تجاوزات السياسيين وأصحاب المنافع والحزبيين، وهم ينهبون أراضي الدولة ويوزعونها حصصاً لهم ولأقاربهم بحجة الفقر والفقراء، هذه الكلمات التي أشبعوا بها خطاباتهم وصدعوا رؤوس الناس والنغمة التي عزفوا عليها، وكلما حاول محافظ شريف أو شخصية وطنية إثارة موضوع التجاوزات وعلاجاتها، هبوا لتهييج المواطنين بطرائق ملتوية، مارسوا فيها السحر والدهاء وأوهموا الناس انكم مقصودون ليثوروا ويتوجهوا إلى الاعلام صياحاً وزعيقاً، ولتقف ماكنة الدولة التي تريد تنظيم الحياة وخرائط المدن أمام افترائهم ويتراجع بلدوز إزالة التجاوزات عن اراضي الدولة الستراتيجية، أي تلك التي حولها النفعيون والنهاب إلى أعمال تجارية واقتصادية عندما تمترسوا بشعارات الفقر والافقار ليطول عمر نهبهم لأراضي البلدية والبلديات والمالية وغيرها من اراضي الدولة، وأوهموا الناس أن سبب فقرهم هو من يطالب بإزالتكم من الوجود ليس منازلكم فحسب.
بل أنتم كوجود يا فقراء يا احباب الله في محاولة لكسب عطفهم والإيغال بالاستحواذ على اذهانهم، مع العلم أنهم لو تركوا للشرفاء تنظيم حياة الناس، وأن يتمتعوا بثرواتهم بالشكل الذي تديره مؤسسات الدولة ما وجد على أرض العراق فقيرا، لكنهم لا يريدون دولة والتحقت بهم خطابات التخدير الدينية بلغة ساذجة، والأبعد من ذلك تحول سكان العشوائيات إلى وقود للأحزاب لتمد مليشياتها بالرجال الباحثين عن عمل، وهم لا يعلمون أن من أفقرهم سياسة الفساد برعاية مؤسسي المليشيات، فجيوش من الفقراء والمعوزين وحارات من التجاوز، حتماً ستغذي التطرف والمليشيات، بل ستغذي الجريمة والانحلال، فكم من منزل وسط عشوائيات وتجاوزات كان مرتعاً لعصابات مخدرات، والأدهى من ذلك كثرة التجمعات العشائرية المتعصبة، التي ما زالت تهدد المدنية والتحضر، وهي لا تعلم أن وضعها وبؤسها يدار من سياسيين واصحاب مصالح تاجروا بهم وقبضوا الثمن، وهو ضياع من تحميهم وتؤمن مستقبلهم الدولة وقانونها، حتى تذمرهم من الاوضاع واحتجاجاتهم تم توجيهه بعناية فائقة من اعلام محطات المصالح والمنافع التي ما أن ينطلق صوت إعادة اراضي الدولة، تنطلق خطابات للفقراء وتحشدهم.  وأتذكر أن أحد البرلمانين، كان يحذّر من (ثورة حواسم)، وتبين أنه يغذيهم، فهم أداته ووسيلته للوصول إلى منصبه، حتى أنه شجّع تجاوزهم داخل مؤسسات الدولة وعلى اراضيها، وما أن هبّوا للوقوف بوجه الازالة انتفض (سوبر مان وسبايدر مان) لإنقاذهم، وايضاً أتذكر جيداً كلمة المخرج المصري خالد يوسف شاهين، الذي حذر حسني مبارك من ثورة العشوائيات المحتقنة بالشعارات واداة الاخوان المسلمين، وحذر من ثورة اجتماعية ستعيد رسم خارطة المجتمع المصري ذوقاً وثقافةً.

المزيد من مقالات الكاتب

الأكثر قراءة