ميادة سفر
أشار تقرير صدر عن الأمم المتحدة العام
الماضي إلى أنّ “العنصرية في الولايات المتحدة الأميركية إرث العبودية وتجارة
الرقيق، ومئة عام من الفصل العنصري القانوني الذي أعقب إلغاء العبودية، لا تزال
موجودة حتى اليوم في شكل التنميط العنصري، والقتل على يد الشرطة، والعديد من
انتهاكات حقوق الإنسان”، ولا تزال صورة جورج فلويد الذي قتل بدم بارد على يد
الشرطة الأميركية حاضرة في أذهان الكثيرين، بما هي شكل من أفظع أشكال الإجرام،
الذي يمكن أن يمارس من قبل أصحاب السلطة بحق المواطنين، إلا أنّ الولايات المتحدة
الأميركية ما زالت تنظر إلى أصحاب البشرة السوداء وأولئك المنتمين إلى ديانات أخرى
“المسلمين” على سبيل المثال، كأشخاص من درجات أدنى وغالباً يتم نعتهم بالإرهابيين،
لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، التي اتخذتها الإدارات الأميركية
المتعاقبة شماعة تعلق عليها جميع أفعالها المناهضة للإنسانية والمنتهكة لحقوق
الإنسان التي كانت طرفاً في وضعها منذ عقود.
لم تكتف الولايات المتحدة الأميركية
بدعم العنصرية على أرضها، والحفاظ على إرث العبودية الذي مازال قائماً على الرغم
من إلغاءها منذ عام 1863، بل إنها تدعم كل ما يمت على التمييز والعنصرية في العالم
لاسيما ما تمارسه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني منذ عقود، بما تقدمه من دعم في
المحافل الدولية، أو ما تورده من أحدث أنواع الأسلحة التي تقتل يومياً مئات الفلسطينيين
في الحرب الحالية التي تشنها على قطاع غزة المحاصر.
في حديثه عن علاقة الولايات المتحدة
الأميركية وأوروبا مع دول أمريكا اللاتينية إبان الثورات البوليفارية يقول الكاتب
والسينمائي طارق علي في كتاب “عن التاريخ”: “إنه لمن الغريب أنّ العالم الذي يتشدق
طوال الوقت بالحديث عن الديمقراطية، أصبح عدائياً إلى هذا الحد تجاه أية محاولة
للتنوع الاقتصادي والسياسي”، ولا شكّ أن تلك السياسة، التي تنتهجها أمريكا ومعها
بعض الدول الغربية ما زالت رائجة في علاقتها مع كثير من دول العالم لا سيما في
الشرق الأوسط الذي تصب عليه جام طمعها ورغبتها في السيطرة عليه وثرواته والتحكم
بسياسته وقمع أية محاولة للتحرر من قبضتها، وفي الوقت الذي يمارس قادتها وإعلامها
سياسة الانحياز الفاحش لإسرائيل في جرائمها، يقف بقوة قوته العسكرية والسياسية
والدبلوماسية ضد الفلسطينيين مصادقاً على قتلهم وإبادتهم وتهجير من بقي منهم.
إنّ العنصرية التي تمارسها الولايات
المتحدة الأميركية ما هي إلا إرث للعبودية التي تأسست عليها ولم تتمكن حتى اليوم
من التخلص منها، على الرغم من تغنيها بأنها الدولة الأكثر تحرراً وديمقراطية
ودفاعاً عن حقوق الإنسان، وهو ما تنفيه سياستها المعلنة وغير المعلنة، وهي التي
تقف دائماً ضد أي قرار يمكن أن يدين إسرائيل، وتدعم الكثير من التنظيمات
الإرهابية، التي يمكن أن تعينها على تحقيق مصالحها ولو كان على حساب استقرار غيرها
من الدول، ولنا في بلادنا أفضل مثال، فها هو تنظيم داعش الإرهابي على مرمى نظر من
القوات الأمريكية الموجودة في سوريا والعراق، دون أن تحرك ساكناً تجاهه، لأنه وبكل
بساطة يشكل عاملاً مساعداً لإحكام سيطرتها على الثروات الطبيعية والأرض، غير مهتمة
باستقلال البلاد وأمنها وسلامتها.