بدأت الأحزاب السياسية في العراق بمختلف مكوناتها
وتسمياتها الاستعداد والتحشيد الجماهيري والتحضير لانتخابات مجالس المحافظات التي
غابت عن المشهد السياسي لعشرة أعوام أذ أجريت اخرها عام 2013، بعد أن تم تعطيل
عملها من قبل المحكمة الاتحادية العليا عام 2018 بسبب انتهاء دورتها الانتخابية وعدم
اعلان موعد لانتخابات جديدة هذا الامر الذي يعتبر مخالفاً للدستور العراقي، أن هذه
النسخة لن تكون مشابهة لدورة السابقة فالأحداث تغيرت واليوم ليس كما كان الوضع قبل
عشرة اعوام.
تغير المشهد السياسي في العراق كثيراً طيلة العشرة أعوام
السابقة بدأت بسقوط محافظات بأيدي تنظيم داعش الإرهابي ومن ثم التحشد الشعبي
امتثالاً لأوامر المرجعية في النجف واستبسال القوات المسلحة لطرد فلول الإرهاب
والقصاص منهم وتحرير كل الأراضي العراقية.
أن هذا الامر ليس المتغير الوحيد لعل أبرز المتغيرات هو
ما حصل عام 2019 والمعروف بأحتجاج تشرين اهم وأكبر الاحتجاجات فتجمهر الالاف من
الشعب في بغداد والمحافظات الجنوبية لرفضهم التدخلات في الشؤون الداخلية ومطالبتهم
بتقديم الخدمات من قبل الحكومة كان نتيجة هذا الاحتجاج تقديم رئيس مجلس الوزراء
السيد عادل عبد المهدي لأستقالته والدعوى الى تعديل قانون الانتخابات واعلان موعد
لأنتخابات مبكرة يشرف عليها من وصل الى رئاسة الوزراء بالصدفة ألا وهو مصطفى
الكاظمي لا ابالغ حين في وصف حكومته بأن همها الأكبر هو الشو الإعلامي متناسيه في
ذلك مطالب المحتجين وغيرهم، وبعد تعديل قانون انتخابات الذي قسم المحافظة الواحدة
الى دوائر متعددة استطاع التيار الصدري من بلورة هذا التعديل لكسب مقاعد برلمانية
كثيرة.
ومن المتغيرات ايضاً في الساحة السياسية بروز أحزاب
سياسية جديدة نجحت في العمل السياسي يمكن تقسيمها على عدد من اشكال، الأولى
احزاباً سياسية تمتلك اجنحة عسكرية فهذه الأحزاب استطاعت ان تنشأ قاعدة جماهيرية
واسعة مكنتها من حصد اصواتاً كبيرة في الانتخابات النيابية فلعبت هذه الأحزاب
ادواراً كثيرة في تغير المعادلة السياسية في اخر دورتين برلمانيتين لعل أبرزها هي
حركة الصادقون الجناح السياسي لعصائب اهل الحق بزعامة الشيخ قيس الخزعلي فالصادقون
تمكنوا من بلورة نجاح جناحهم العسكري الى عمل سياسي حقيقي بامتياز مكنهم من الوصول
الى أن يصبحوا الجزء الأبرز في الاطار التنسيقي والمعني بتسمية رئيس مجلس الوزراء
فضلاً عن المشاركة المهمة في تحالف إدارة الدولة والحصول على وزارة مهمة وقيادتها
بشكل احترافي يحاكي الواقع متجرد من التقليدية في الإدارة السابقة.
اما الشكل الثاني من الأحزاب الجديدة فيتمثل بالأحزاب
التي استطاعت ان تستثمر تخبط الأحزاب التقليدية في مكونها وان تحصل على دعماً
شرقياً وغربياً لتنشأ بيئة خصبة في اعلاء شأن حزبها أبرز أحزاب هذا الشكل هو حزب
تقدم بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي فحزب تقدم استطاع هو الاخر أن يجعل
أبناء المحافظات المحررة يرونه الحزب الأبرز لهم ويروه المرشحين بأنه الأنسب
للترشح من خلاله فتقدم تمكن من ان يصبح الحزب الأبرز في المكون السني مما مكنه ذلك
من سعي أي تحالف لكسب ود تقدم الى صفه.
ومن الأمثلة التي يجب ذكرها هي الأحزاب الجديدة وهي
مقسمة ايضاً الى قسمين الأولى أحزاب أسسها المستقلين الفائزين في الدورة الأخيرة
لمجلس النواب اما الثانية هي أحزاب ضمت اشخاصاً لم يحصلوا على شيئاً بعد احتجاج
تشرين في محاولة منهم لدخول العملية السياسية والاستفادة من خيراتها كالحركات التي
وصلت الى البرلمان بأسم تشرين.
لكن المتغير الأكبر بين الانتخابات القادمة والانتخابات
السابقة هو عدم مشاركة التيار الصدري فيها بعد اعلان زعيم التيار الصدري السيد
مقتدى الصدر في حزيران عام 2022، انسحابه من العملية السياسية واستقالة جميع نواب
الكتلة الصدرية من البرلمان بعد جولة من الاحتجاجات المتبادلة واعتراضات الإطار
التنسيقي على نتائج الانتخابات وما تبعها من اشتباكات حصلت ابان صورة عاشوراء كما
وصفها أنصاره.
كيف لهذه الانتخابات أن تتم دون مشاركة أكبر الأحزاب
جماهيرياً وأكثرها ترابط، لان مشاركتهم من عدمها تؤثر بشكل كبير على واقع
الانتخابات سواء بنسب المشاركة او رسم خارطة نتائج القوى السياسية في الانتخابات
لان الورقة الصدرية تعتبر ورقة مقلقة للمنافسين، وأن عدم وجود الصدريين في
الانتخابات القادمة يعني زيادة احتمالية ارتفاع نسبة العزوف عن المشاركة فيها لكن
هناك مؤشرات كثيرة تؤكد بأن التيار الصدري قد اخفى حقيقة بأنه سيشارك بثلاث قوائم
غير مدعومة من التيار الصدري اعلامياً لكنها ستكون مدعومة بشكل سري وستعمل الماكنة
الانتخابية الصدرية على فوز هذه القوائم لكن العجيب في هذه المناورة هو الغاية من
اجرائها ماذا سيستفيد التيار الصدري منها؟
فالتيار الصدري رغم هفوته الكبيرة بالاستقالة من مجلس
النواب ألا انه يعتبر اذكى الأحزاب السياسية العراقية فهو لعب على فكرة المستفيد
بكل الحالات فأن تمت الانتخابات سيحصد عدد مقبول من هذه المقاعد وان تأجلت فهو
سيكون بعيد عن الفشل الذي ارتبط بهذه الدورة.