17/05/2024

ماذا سيتمخض عن الانتخابات المقبلة؟

عمر الناصر

10/05/2023
تكبير الخط
تصغير الخط


لا يزال حلم بناء دولة مدنية يراود أدمغة الكثير من الناس المؤمنة بمبدأ المواطنة وبناء دولة المؤسسات، خصوصاً بعد الانتكاسات المتكررة، التي تعرضت لها الأحزاب القابضة على السلطة في المراحل الماضية. وفشل تجربتهم في اعادة كسب ثقة الأغلبية الصامتة واحتوائها لتصحيح المسار المتعرج المتبع في أدارة مفاصل الدولة، وكل المحاولات التي قاموا بها لإرجاع انفاس الأمل بقبلة الحياة واعادة النبض مجدداً برئتي العملية السياسية باءت بالفشل، نتيجة فقدان الشارع الثقة بجميع تلك البرامج والمشاريع، التي قُدمت والتي لم ينفذ شيء منها لناخبيهم على أرض الواقع.

تعتبر الفترة ما بين عامي 2006 - 2008 حقبة سوداء في تاريخ العراق الحديث واكثرها دموية، لم تشهد البلاد حمامات دماء، كالتي شهدها المشهد خلالها، ربما نستطيع وصفه بالهولوكوست، بعد أن وصل الاحتقان الطائفي في تلك الفترة لأعلى المستويات، بفضل البعض من المحسوبين على السياسة، وبسبب أجندات داخلية ودولية أرادت تحقيق اقتتال داخلي وحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، كما حدث في راوندا والبوسنة والهرسك. لم تبقَ زاوية من زوايا المؤسسات الرسمية أو الحكومية إلا ودخلت اليها حمى الطائفية والجهوية والاثنية، حتى بدأت العملية السياسية تسير بقدم واحدة، وفي منعطفات خطيرة لم يأبه لها الانتهازيون المتصيدون بالمياه الضحلة، أدخلت البلد بنفق مظلم لم تعرف له نهايات واضحة، أدى لانحسار وتقهقر لصوت المواطنة، في وقت ارتفعت مناسيب أصوات المحاصصة الطائفية والحزبية، التي مزقت النسيج المجتمعي، بعدما قام الوصوليون وتجار الحروب والدين بتغذيتها فكرياً وعقائدياً، من خلال تكفيرهم الآخر.

لم تثبت المحاصصة الطائفية بأنها قادرة على إعادة لحمة الصف الوطني أو النسيج المجتمعي، بعد أن كانت الهوة حاضرة بقوة وتوسعت على اثرها الفجوة بين النظام السياسي والجمهور، الذي كانت تراهن عليه بعض الأطراف السياسية لكي يكون لهن رصيد جيد في الدورات الانتخابية اللاحقة، فهي لم تثبت حتى لمن دكوا ركائزها بأنها الخيار، الذي يتنشل ما تبقى من أشلاء للعملية السياسية، وخصوصاً بعد أحتراق ورقة الذين ركبوا وراهنوا على ركوب موجة الاقصاء والتهميش والمظلومية وخسروا وجوههم من قبل قواعدهم الجماهيرية.

من الضروري جداً أن نذهب بعملية حسابية بسيطة لإعادة المراجعة وتقييم الاداء دون شخصنة للأهواء، والبدء بحركة تصحيحية قادرة على غرس قيّم ومفاهيم الدولة والمواطنة، والخلاص من المحاصصة، وتمكين السيادة وبناء دولة المؤسسات، القادرة على الحفاظ وحماية القشرة الأساسية للنظام الديموقراطي بعد مرور عقدين من التغيير، نحن اليوم بأمسٍ لثورة توعوية حقيقية شاملة، تُحدث تحوّلا فكرياً وثقافياً ناضجاً على مختلف الأصعدة والمستويات، لبناء مجتمع خالٍ من العقد والأمراض النفسية، المتمثلة بالحقد والكراهية والعنصرية السياسية، وإقناع المطبخ السياسي بفكرة تبني الوعي الديموقراطي، لنشر ثقافة التسامح والعدالة الاجتماعية، وحرية المعتقدات والأديان والإيمان بالعنوان الرئيس لهوية الأفراد مع احترام العناوين الفرعية للمكونات، كمجتمع يدعو إلى بناء دولة مواطنة فاعلة، تتمتع بالرفاهية الاقتصادية المستندة إلى دستور يضمن حقوقًا متساوية لجميع الأفراد، بغض النظر عن الانتماءات والميول القومية والدينية، ولترسيخ قناعة تامة بأن الفشل هو ليس بمثلبةٍ أو عاهة مستدامة تلتصق بالفرد، بقدر ما هي تجربة نتعلم منها كيفية إدارة الدولة للارتقاء بواقعنا على غرار تجارب العالم المتحضر.

المزيد من مقالات الكاتب

الأكثر قراءة