17/05/2024

هل سينهار الدولار؟

عبد الخالق حسن

06/04/2023
تكبير الخط
تصغير الخط

#عبد_الخالق_حسن

في سنة 1944، وقبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أثقالها، وتهدأ أصوات المدافع، لينتصر من انتصر، وينهزم من انهزم، انعقد اجتماع شارك فيه ممثلون عن جميع دول الحلفاء في غابات نيوهامبشير في الولايات المتحدة الأميركية، ليرسوا ويؤسسوا قواعد نظام عالمي جديد يتقاطع تماماً مع ما كان سائداً، واتفقوا في ما عرف باتفاقية (بريتون وودز) على اعتماد نظام مالي عالمي جديد، استبدلوا فيه الدولار كمعيار وقاعدة لتنظيم المال بالقاعدة القديمة التي كانت تعتمد على الذهب. ولأنَّ الولايات المتحدة كانت تمتلك ثلاثة أرباع حجم الاحتياطي من ذهب العالم، فقد أعطيت حقاً في أن ينحصر طبع الدولار بها، والذي صار عملة عالمية معتمدة وموثوقة. لكن مع هذا، بقي الدولار يعتمد في قوته وموثوقيته على الغطاء، الذي يستند إليه من الكتلة الذهبيَّة في البنك الفدرالي. لكن بحلول سنة 1971، منع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون البنك الفدرالي من استبدال الذهب بالدولار، وهو ما أدى أن يصبح الغطاء الذهبي لا قيمة له. ليتحول الغطاء إلى قوة الولايات المتحدة نفسها، التي ظلت تطبع منذ ذلك الحين الدولار من دون أن يكون مغطى بالذهب، وهو أمر أدى لتضخمات متكررة، حاولت الولايات المتحدة التخلص منها برفع سعر الفائدة، أو بتهديد الدول من خلال سحبها إلى التعامل الحصري بالدولار، حتى وصلت قيمة التعاملات والتحويلات بالدولار حول العالم إلى ٩٠ بالمئة. لكن مع حلول الألفية الثانية، وصعود القوى التي كانت مجرد قوى ناشئة في القرن الماضي، كالصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، فضلاً عن روسيا، وغيرها، بدأت الولايات المتحدة تستشعر الخطر المقبل، فحاولت بشتى الطرق عرقلة النمو المتسارع لهذه البلدان، لأنها تعلم جيداً أن صعودها بهذه الطريقة المتسارعة سيوجه ضربات متلاحقة لقوة ومركزية الولايات المتحدة، حول العالم. لهذا رأينا الإجراءات والحروب الإعلامية والعسكرية تقع على مسار الطرق، التي تعتمدها هذه الدول الصاعدة من أجل تعطيل صعودها المستمر. لينحصر الصراع أخيراً بينها وبين الصين، التي باتت في طريقها لتهشيم نظام القطب الأوحد الذي تحتكره الولايات المتحدة. فذهبت الصين في كل الاتجاهات من أجل بناء تحالفات، وإيجاد منافذ كبرى لتسويق بضائعها، لهذا تبنت وأسست منظمة شانغهاي في اثناء انشغال الولايات المتحدة بحرب افغانستان سنة 2001، ثم بعدها بخمس سنوات، رعت اتحاد دول البريكس مع البرازيل وجنوب افريقيا والهند وروسيا، والذي كان آخر ضرباته القوية للولايات المتحدة اعتماد التبادل التجاري بين الصين والبرازيل بعملتي البلدين، وعدم اعتماد الدولار، وهي خطوة حتماً ستكون مؤثرة للدولار بالنظر لضخامة وقوة اقتصاد البلدين. مثلما أن السعودية، الحليف المهم للولايات المتحدة، اعتمدت في تعاملاتها مع الصين على عملة اليوان. كل هذا يعطي أدلة ومؤشرات على التراجع المخيف لقيمة الدولار، والذي يمكن أن يدفع إلى انهيارات مستمرة في هذه القيمة. لذلك، يبدو أن لا مناص من العودة إلى القاعدة القديمة للنظام المالي التي تعتمد على الذهب، كونه سلعة محايدة لا ترتبط بدولة، بل هو ثروة عالمية يتم الاحتكام لها، وفقاً لقواعد وأنظمة تتصالح وتتفق عليها دول العالم.

المزيد من مقالات الكاتب

الأكثر قراءة