16/05/2024

الاستثمار: مصلحة عامة أم خاصة؟

نرمين المفتي

29/12/2022
تكبير الخط
تصغير الخط

نفهم الاستثمار بأنه الانتفاع بالمال المدخر لدى الفرد، بدلا من تجميده سواء في المصارف أو في البيت، من خلال تشغيله بهدف ربح مستقبلي قريب أو بعيد. وينطبق المفهوم نفسه على الشركات ايضا.. وبتفاصيل أدق، تشير الباحثة مها السامرائي في دراسة منشورة على الانترنت عن (مفهوم الاستثمار وعلاقته بالمفاهيم الاقتصادي) إلى أنه «يلعب دوراً مهماً في النشاط الاقتصادي، لكونه احد الأجزاء المؤثرة في الناتج القومي والذي يحفز بدوره الطلب على السلع الإنتاجية». وتصنف السامرائي الاستثمارات إلى «استثمارات القطاع العام، اذ تلعب الدولة دوراً مهماً في عملية الاستثمار وتتحمل جزءا من مهامه، ويهدف إلى تنمية البنية الاقتصادية للبلد». والصنف الثاني هو «استثمارات  القطاع الخاص، اذ يعد عامل الربح المحرك الديناميكي للاستثمار، ويؤدي دوراً مهماً في الاقتصاد القومي.» ويشير الاقتصاديون إلى أن دولا عديدة تعتمد بنسبة كبيرة في دخلها القومي على الاستثمار، ومن بينها مصر والامارات العربية المتحدة، سواء الاستثمار المحلي أو الخارجي. وقد نجحت هاتان الدولتان في الاستثمار السياحي والاسكاني، ما دفعت شركات عالمية رصينة إلى زيادة استثماراتها بهما.. في العراق، نسمع بالاستثمار كثيرا ونشاهد اعلانات كثيرة عن المشاريع الاستثمارية، السكنية خاصة والتي بدأت افتراضا لايجاد حل لازمة السكن وارتفاع بدلات الايجار.. لكننا لم نسمع من الهيئة الوطنية للاستثمار نسبة مساهمة الاستثمارات في الدخل القومي من جهة ونسبة توفيرها لفرص عمل للعاطلين عن العمل، وفي المقابل ساهمت بشكل أو بآخر بارتفاع أسعار العقارات إلى مبالغ خيالية، خاصة أن الخبراء يؤكدون أن سوق العقارات من اكثر الوسائل سهولة وأمانا لغسيل اموال الفساد. بكلمات أخرى، لم يقدم الاستثمار في العراق حلا أو بعضه لمشكلات عدة، ومن بينها السكن وفرص العمل.. وليتها توقفت عند هذه المشكلات فقط، فهناك مشاريع استثمارية لا تهدف سوى إلى تعظيم أموال المستثمر، حتى أن تسبب بمشكلات اقتصادية للآخرين.. وللمثال  وليس الحصر، العلوة الاستثمارية في كركوك.. وقبل الإشارة اليها، تقول الهيئة الوطنية للاستثمار على موقعها بأن « النافذة الواحدة في الهيئة الوطنية للاستثمار وفي هيئات استثمار المحافظات تقوم بتقديم الخدمات الخاصة، بتسهيل منح  الإجازة الاستثمارية من خلال استمارة طلب الإجازة وتخصيص الأرض والحصول على الإعفاءات الضريبية، وتسهيل  اقامة المستثمرين والعاملين معهم وتيسير اجراءات دخولهم وخروجهم».. اذن المستثمر يحصل على قطعة الأرض واعفاءات ضريبية وامتيازات اخرى، ليس لصالح المستثمر فقط، انما لصالح الشريحة التي ستستفيد من المشروع الاستثماري، لكنني أتساءل: هل نلمس هذه المعادلة في العراق؟ وقطعا سيكون الجواب بالنفي غالبا. واعود إلى العلوة الاستثمارية في كركوك التي أنشئت على قطعة أرض تعود ملكيتها إلى البلدية، فقد قام مستثمر من خارج كركوك بانشاء العلوة، ويبدو أنه حصل على موافقة مسبقة من استثمار كركوك على وجوب تحويل اصحاب محال البقالة من سوق (خورما خاني- خان التمر) اليها.. وفي مظاهرة لاصحاب هذه المحال وغالبيتهم من الدخل المحدود امام بلدية كركوك، قالوا بأن المستثمر يطالب بتسعين الف دولار (سرقفلية) للمحال والف دولار كايجار شهري!! والمعروف أن صاحب العلوة، اية علوة، يتعامل بأخذ نسبة من مبيعات الفلاح أو البقال يوميا.. لكن هذه العلوة استثمارية، ومن يستطيع أن يقول إن الاستثمار يهدف إلى حل مشكلة أو مساعدة من يتوجه إليهم المشروع؟ إنما يستهدف، كما أسلفنا، تعظيم أموال المستثمر.. سمعنا مرارا، أن الهيئة ستقوم بإعادة النظر في أسعار المتر المربع الواحد في هكذا مشاريع خدمية ومن بينها السكنية، لكننا لم نسمع بأية تطورات أو قرارات! وتساءلت مرارا لماذا التعامل بالدولار؟ لو راجعنا الاعلانات عن المشاريع الاستثمارية السكنية في الدول الاخرى، سنجد أن أسعار العقارات بالعملة المحلية، فقط في العراق بالدولار ومهما كان وضع السوق، فإن هذه الاسعار ترتفع دائما.. وفي لقاء مع موقع (الحرة)، قالت رئيسة الهيئة السابقة، سهى داود نجار، إنه من بين ( ٢٣٢٢ مشروعا منحتها الهيئة الوطنية للاستثمار في العراق خلال السنوات الماضية، لم ير النور أو يقترب من رؤيته سوى ٦٢٣ مشروعاً، وإن نحو  ١٠٠٠ مشروع منها كانت «وهمية») واضافت بأن (قيمة المشاريع المسجلة، غير المنفذة نحو ٧٠ مليار دولار، وإن قيمة الأراضي الممنوحة لتلك المشاريع «الوهمية» تصل إلى ٦٠مليار دولار، في أكثر التقديرات تحفظا».).. الاستثمارات في العراق بحاجة ماسة إلى مراجعة وتقييم، فالهدف المصلحة العامة وليس مصالح الأفراد التي تؤدي إلى الفساد.

المزيد من مقالات الكاتب

الأكثر قراءة