16/05/2024

رباح آل جعفر والحبّارة الأربعة

حمزة مصطفى

08/02/2023
تكبير الخط
تصغير الخط

في «سنوات الحبر»، وهي عصارة 35 سنة من العمل الصحفي سكبها رباح آل جعفر الكاتب المتميز لغةً وأسلوبا ومعرفةً حبرا بين دفتي كتاب صدر حديثا بـ 344 صفحة من القطع المتوسط عن دار الحكمة بين لندن وبغداد. هذا الكتاب الذي يضم عشرات المقالات سبق للكاتب نشرها في عدة صحف عراقية ورقية في أزمنة مختللفة. تراوح نشر هذه المقالات بين زمني الزهو الورقي حيث كانت الصحف «وحدها وتلعب بالساحة» على «كولة» كاظم الساهر وفي أخريات جزرها المعنوى والمادي في ظل منافسة غير شريفة لما بات يسمى اليوم مواقع التواصل الاجتماعي. ربما كنت إستثنيت الإذاعة والتلفزيون لأنهما كانا منافسين شريفين للورق المسكوب على شكل صحافة مهنية إحترافية ترفع من مستوى المحتوى الإذاعي والتلفزيوني، مثلما يرفع المحتوى الإذاعي والتلفزيوني مما تتضمنه الصحف والمجلات والدوريات من أخبار وتقارير ومقالات ودراسات.. ولأن رباح ورقي أصولي فقد إختار اربعة من كبار «الحبّارة» من جيلين سبقاه في الكتابة لكنه لحقهم وتزامل معهم مع إنه يحترم أستاذيتهم ومكانتهم في عالم الصحافة، لاسيما أن بعضهم مثل أستاذنا حسن العلوي كان يصول ويجول في عالم الصحافة الورقية في وقت لم يكن رباح آل جعفر قد ولد بعد.. الشاعر والفنان محمد سعيد الصكار سوف أوجل الحديث عنه. أما الأستاذان حسب الله يحيى وطه جزاع ينتميان هما أيضا الى جيلين مختلفين (حسب الله ينتمي الى جيل الستينات كتابيا) و(طه أستاذ الفلسفة بعد الصحافة الى جيل السبعينات كتابيا). أما رباح فإنه ينتمي الى جيل الثمانينات كتابيا مع إنه رصد في كتابه علاقات ميزته مع أبرز «الشياب» من أجيال مختلفة مثل علاقته بالعالم الجليل عبد الكريم بيارة المدرس الذي تحادث معه وقد بلغ، بيارة. المائة سنة، ومثلها علاقته مع، مع حفظ الألقاب، لأني لو ذكرت القابهم التي يستحقونها عن جدارة لأحتجت مقالا أخر عن الألقاب فقط. أذكر هنا وطبقا للعشرات من مقالاته في الكتاب علاقاته مع علي الوردي، جلال الحنفي، حسين على محفوظ، مصطفى محمود، حسام الدين الآلوسي، مدني صالح، عبد الوهاب البياتي، عبد الرزاق عبد الواحد، فاضل السامرائي وسواهم. 
الحبّار الرابع الذي اختاره رباح آل جعفر لتطرز حروفه غلاف كتابه الأخير وهو سيد الحروف ومبتكر الأبجدية الصكارية الشاعر الفنان محمد سعيد الصكار. والصكار كان كتب لرباح من باريس عام 2009 كلمات تلقاها رباح بإرتياح والإ «أشتكره من» هذه الكلمات.. «أحييك وأقدم لك نفسي قارئا نهما لاكثر ما يقع بين يدي مما يقرا». ويضيف «منذ فترة قصيرة قرأت إسم رباح ال جعفر وذلك خذلان لا اعفو نفسي من الإعتراف به، إذ كيف فاتني مع هذا العمر الطويل التعرف على كاتب ذي لغة صافية وأسلوب جميل صار ندرة في أيامنا». هذا ما قاله الصكار عن رباح في الغلاف الأخير من الكتاب. أما الحبّارة الثلاثة العلوي ويحيى وجزاع فلكل منهم رأيه برباح مع شهادة مجروحة. العلوي يحب حديثة حيث قضى فيها قبل ولادة رباح بعدة سنوات أجمل سنتين أيام نقل اليها آواخر الخمسينات مدرسا في ثانويتها. يقول العلوي عن رباح «ورباح آل جعفر من أهل القوانين المطعمة بالحس الصحفي، وبأشياء من آل جعفر، جمعها في مقال يومي خصني أكثر من مرة بواحد منهما لرجل أوفى حديثة وأهلها وتخرج على يديه جيلان على الأقل لم يكن رباح منهما». أما القاص والصحفي الكبير حسب الله يحيى فيقول عن رباح إنه «يكتب كلامه الآخر، وهو كلام ينوب عن الآخر، ويدافع عن الآخر، هذا الآخر قد يختلف معه فكرا وموقفا لكنه لايمكن ان ينقل هذا الإختلاف الى خلاف». أما طه جزاع فبحكم المعرفة اليقينية التامة التي أشاطره فيها أنا الحبّار الخامس يكتب قائلا «لو إطلعت على هذا الكتاب بعد حذف عنوانه وإسم كاتبه وعناوين أعمدته وكل العلامات الدالة إن وجدت، لما تأخرت أبدا في معرفة صاحبه بعد قراءة المتن». ويسترسل طه في بيان وتبيين معرفته بالكاتب الذي هو رباح آل جعفر لأن الأسلوب كما يقول جورج بوفون هو الرجل. والرجل هنا في «سنوات الحبر» هو رباح الذي ينفرد بالفكرة المنتقاة ويتفرد في المعاني لا بوصف الجاحظ بإعتبارها مطروحة في الطريق بل مصاغة بماء الذهب حبرا مسفوحا بين الكلمات.

المزيد من مقالات الكاتب

الأكثر قراءة